يقول الكاتب فاروق جويدة في خاطرته ... هل من طريقٌ للخلاص
قالت فتاتي المتمردة :
أنتم شاركتم في إفساد أجيالنا ... لم تغرسوا فينا الإحساس بقيمة الأشياء فأصبح كل شيءٍ رخيصاً ... إن مباراة كرة القدم حتى لو انتهت بالهزيمة أهم بمقاييس هذا العصر من حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل
تتحدثون عن الأخلاق وأنتم لا تمارسونها ... أجيال أخذت كل شيء وأجيال لم تأخذ أي شيء ... لقد أغلقتم أمامنا أبواب المستقبل
تقولون :
كان سعر كيلو اللحم عشرة قروش .. وكانت البيضة بمليم .. وكانت الأوتوبيسات خالية .. والشوارع نظيفة والناس طيبين ... وكانت إنجلترا مديونةٌ لنا .. وكان الجنيه المصري يشتري جنيهاً من الذهب الخالص ويبقى معك خمسة (( تعريفة )) ... وكان شارع فؤاد أجمل من الشانزليزيه .. وكانت جامعة القاهرة أعرق من كمبردج ..
وكانت عندنا أوبرا أحرقناها .. وأموال أضعناها ... وأرض بورناها ... ومياه أفسدناها .. وعقول خدرناها .. وقلوب أحرقناها ... ورجال كبار أقصيناهم .. وأقزام صغار رفعناهم
أنت تدافع عن أجيال أخطأت ... وأنت لستَ منهم .. فأنت مثلنا مغلوبٌ على أمرك .. تشارك في الجريمة ولم تتلوث يداكَ بدمائها ورغم هذا خرجت في طوابير المشيعين .. فلماذا تدافع عن جريمةٍ أنت بريءٌ منها ..؟
هل تذكر مسرحيةٌ اسمها (( مدرسة المشاغبين )) مازال التلفزيون حتى الآن يعرضها لنا كواحدة من عيون التراث المسرحي العظيم ...
كانت أول درسٍ تعلمنا منه الاستهزاء بأساتذتنا في المدرسة .. وآبائنا في البيوت ..!
هل تذكر حكايات وقصص القصور الملكية المنهوبة .. كانت أول درسٍ علمنا أن المال السايب يعلم السرقة .. وللأسف الشديد لم يبقَ شيء أمامنا نسرقه .. هل تذكر قصص السجون والمعتقلات وامتهان آدمية البشر في المذكرات السياسية والأفلام والمسلسلات ... كانت أول من علمنا أن حقوق الإنسان أكذوبة كبيرة في الدول النامية ولا ينبغي أن نصدقها أبداً
وبعد أن أخذتم كل شيء ... تبخلون علينا الآن بأي شيء .. مجانية التعليم يعيدون النظر فيها .. تنتشر مرة أخرى خفافيش الجهل بين الفقراء من النجوع والقرى والكفور والحوارى .. وتأكل أسراب الجهل من لا يملكون المال
والفن الهابط الذي ينخر كالسوس في وجداننا تقولون إننا نحبه .. هل وجدنا أمامنا فناً جميلاً وقاطعناه ؟ ... هل وجدنا إحساساً صادقاً وهجرناه ؟ ... أنتم تكتبون وتنتجون وتؤلفون ... أنتم أصحاب القرار في يومنا ... وغدنا ... لأننا لا نملك من أمرنا شيئاً
تعلمنا في المدارس والجامعات ولا نجد أمامنا فرصة عمل واحدة .. فضاع منا من ضاع ... وهاجر من هاجر ... وهرب إلى الله من هرب ... وأنتم جالسون على مكاتبكم تقرؤون الصحف الحزبية والقومية وتتصفحون الوفيات وتبكون على الزمن الجميل الذي رحل وتلعنون وجوهنا واليوم الذي جئنا فيه لهذه الحياة
تقولون لنا اذهبوا لتعمير الصحراء وأين تلكَ الصحراء وأنتم تبيعون لنا مياه النهر ... وضوء النهار ؟
اشترى القادرون منكم الشقق لأبنائهم وأغلقوها ... وهناك الملايين الذين يسكنون المقابر ... وبعد أن ملكتم المدن بأبراجها وناطحات السحاب فيها ... انتشرتم كالفئران في الصحراء وعلى الشواطئ كل واحد يريد أن يشتري استراحة أو عزية ... ووزعتم التركة عليكم وصادرتهم حقوق باقي الورثة وألقيتم بهم في وادي الأيتام
المشكلة أن الأنانية استفحلت في النفوس وسيطرت على المشاعر فغابت الرحمة وانسحب الحب وسقطت أشجار الشهامة ... إن الطوفان سوف يأخذ الجميع , من سكن المقابر ومن سكن الأبراج ... وسوف يدرك الجميع ولو كانوا في بروج مشيدة ...والسعادة لا يمكن أن تكون من حق البعض وتهجر بيوت البعض الآخر ... إنها مثل الهواء تحب أن تتسلل في كل شيء ... ويخطئ من يتصور أن السعادة يمكن أن تكون له وحده ... حينما يتلوث الهواء ويتسمم الجو سوف نموت جميعاً ولن ينجو أحد .. إننا نعيش الحياة بما فيها من بشر وكائنات وعلاقات ...والفرد جزء من الكل ... ولا يمكن أن يصلح الجزء والكل فاسد .. تفاحة واحدة فاسدة تفسد الألوف حولها إذا لم نلقِ بها في صندوق القمامة ... وما أكثر الذين ينبغي أن نلقي بهم في صناديق القمامة بعد أن أصابهم العفن ...
أسوأ الأشياء يا سيدي ... أن نتحدث عن أخلاقٍ لا نمارسها ... وفضائل لا نعرفها .. وأنتم تكلمتم كثيراً عن الأخلاق ولم يكن الأمر أكثر من مسرحيةٍ هزليةٍ رخيصة أضاعت أجيالاً وأفسدت وطناً ...
قلت : ....
لم أجد عندي ما يقال .. فهل لدى أحد منكم شيء يقوله .. ليته يساعدني في الرد على فتاتي المتمردة .. ؟ .
.......
لا أذكر أني قابلت فاروق ذات يومٍ ... أو حادثته !!!