"التحفة السمية" يعني سبحان الله ألزمني بحفظ المتن ثم بعد ذلك قرأت عن طريقه رحمه الله تعالى عليه شرح "التحفة السمية" فكنت أعشق اللغة منذ الصغر، كنت أحب الشعر وأحفظ أي شعر يمر علي لا سيما إذا تداركت معناه وأنا مازلت إلى الآن أعشق الشعر ما صح منه وما رقت به المشاعر وما بكت به العيون، ففي هذه المرحلة كُلِّفْتُ من جدي لأمي -أسأل الله أن يرحمه - أن أخطب الجمعة وكانت هذه أول خطوة.
كنت في الثالثة عشر فقلت له: ”أنا لا استطيع أنا أخشى‘‘ قال: ”من أي شئ تخاف؟ وأنت قد جلست وشرحت بين الناس وتكلمت في الفقه وتكلمت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم والخطبة لا تزيد على هذا‘‘
وأعدَّ لي بعض الآيات من كتب الله تبارك وتعالى واختار لي بعض الأحاديث من الأحاديث التي احفظها والتي ألقيتها على الناس من "رياض الصالحين" وألزمني، فقلت له: ”لا المنبر له هيبة‘‘. والله يا شيخ فهد أذكر أنه في ليلة الجمعة في الخميس انتظرت حتى خرج الناس من المسجد بعد صلاة العشاء وجلس معي وأغلقت المسجد عليّ من الداخل وقلت: ”انتظر حتى أرتقي المنبر وأجلس اجرب‘‘ ومع ذلك حين ارتقيت المنبر وجدت وشعرت بهيبة لدرجة أنني شعرت بأن قدماي لا تحملاني وأنا أرتقي سلالم المنبر وكان من المنابر القديمة التي لا تراها الآن على السنة كانت المنابر قديما مرتفعة يعني تصعد كأنك صاعد إلى السماء فحينما وقفت قليلا نزلت قلت له: ”لا أستطيع ولن اخطب غداً‘‘ فلما أصر قلت: ”إذن اسمح لي أن تكون الخطبة الأولى بعيداً عن قريتنا‘‘
قال: ”ولم؟‘‘ قلت: ”إن لم يوفقني الله عز وجل أُستر ولا أُفضح بين أقراني وفي أهلي‘‘ فقبل ذلك وهو يبتسم. فذهبت إلى قرية مجاورة إلى قرية "دموه" تسمى بقرية "ميت مِجاهد" أو "ميت مُجاهد" في مركز "دكرنس" أيضا وانا لا أعرف خطيب الجامع الكبير فذهبت إليه في بيته مع زميل لي لاستأذنه، وسبحان الله استقبلنا الرجل بحفاوة ظن أن لنا حاجة تختلف عن خطبة الجمعة، فلما جلسنا في بيته ونادى على زوجته وقال: ”يا أم احمد‘‘ - بلغتنا كمصريين- ”حطي الشاي‘‘ يعني أعدي الشاي، فلما جلس قال: ”خير يا بني؟‘‘ قلت: ”والله يا شيخنا جئت استأذنك ان أخطب الجمعة‘‘ قال: ”من؟ من يخطب الجمعة؟‘‘ فقلت: ”أنا‘‘ فنظر إلي وقال بلغتنا: ”سنك كام سنة يا ولد؟‘‘ قلت: ”والله يا شيخنا القضية ليست بالسن فلقد ولَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد قيادة الجيش وكان تحت إمرته أبو بكر وعمر، قال لي : ”ولِمِضْ كمان؟‘‘ لمض بلغتنا يعني....(يضحك الشيخ محمد حسان).
”كم عمرك يابني؟‘‘ قلت له: ”والله يا شيخ ليس بالسن‘‘.فقال: ”طيب هاتقول إيه؟ قولي حاجة من اللي انت هاتقولها‘‘ قلت له: ”يا شيخنا سيفتح الله عز وجل عليّ وأنا مجهز موضوع فيه تذكرة الناس بالموت‘‘ فإذ به ينادي على أم أحمد زوجته يقول بلغته لها : ”سُكَّي على الشاي يا أم أحمد ما يستهلوش شاي‘‘ وبالفعل رفض ورفض أن أخطب الجمعة نحاول معه والأخ زميل من قريته يحاول فرفض الشيخ وخرج وخرجنا في صحبته ليخطب الجمعة، وكان يُعِدُ الخطبة من ورقه ووضع الورقة في جيبه فقال لي زميلي: ”أنا مستعد أن أخطف أو أسرق الورقه‘‘ قلت له: ”لا الغاية لا تبرر الوسيلة‘‘ ورفضت في الحقيقة لكن قدَّر الله عز وجل أن أكون خطيب الجمعة في هذا اليوم. كيف؟ ما أن وصلنا إلى باب الجامع الكبير وإذا بأناس يحلمون جنازة للصلاة عليه بعد الجمعة وكان الموضوع الذي أعدَّه الشيخ -رحمه الله- بعيداً عن الموت وهذه عندنا فضيحة يعني الموت موجود لابد أن يُذِّكر الخطيب الناس بالموت..وإذ به ينظر إلي ويقول ”ها؟ لسه ناوي تخطب؟‘‘ قلت له: ”نعم‘‘ قال: ”هاتتكلم في ايه؟‘‘ قلت: ”في الموت‘‘ قال لي: ”بجد؟ فين الورقه؟‘‘ قلت له: ”أنا أحفظ الخطبة‘‘ - خايف جداً هو- فإذا به يقول: ”توكل على الله ربنا يسترها‘‘ ودخل الشيخ وجلس في آخرالجامع في آخر ركن على الشمال جلس وقال: ”قل للشيخ فلان المؤذن أن الشيخ جالس في الخلف وأنا الذي سأخطب‘‘ وارتقيت المنبر ولله الحمد وتأثر الناس تأثرا بالغا ربما لأن الموت بين أيديهم ثم لصغر سن الخطيب. لا أنسى أبداً هذا الرجل الذي دخل من مكان الوضوء ونظر إلى المنبر -لفت نظره الصوت- وكان مازال قد رفع كمه أو ثوبه بعد الوضوء لم يُنزله بعد فوضع يده اليسرى -مازلت أذكر هذا المشهد- فوضع يده اليسرى ليُنزل ثوبه فظل واقفا هكذا يتابع فترة طويلة تأثراً